كيف نفهم ما جرى في تونس على مدى الأيام الماضية من حملة انتخابات رئاسية شارك فيها 26 مرشحا من مختلف العائلات السياسية ومن خارجها ؟.. وكيف نفسر اتجاهات تصويت الناخبين وما اسفرت عنه من تقدم استاذ القانون الدستوري المستقل القادم من خارج "السيستم" ( النظام/ المنظومة ) قيس سعيد ورجل الأعمال المحبوس على ذمة تحقيقات تبييض الأموال والتهرب الضريبي نبيل القروي للجولة الثانية الحاسمة؟.. وماهي فرص كليهما في الوصول الى قصر الرئاسة بقرطاج ؟ .. وماهي احتمالات تأثير المنافسة الرئاسية على الانتخابات التشريعية 6 أكتوبر المقبل ، والتي تعد الأهم بمقتضى دستور يناير 2019 الذي يعطي البرلمان ثقلا أكبر؟.
هذه الأسئلة نسعي للإجابة عليها باختصار وبنقاط محددة في محاولة لفهم حصاد وآفاق الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية بتونس 2019. وهي انتخابات يمكن وصفها بأنها جرت هادئة وانتهت بنتائج صاخبة مثيرة للجدل .
أولا .. عن الانتخابات وحملة الرئاسية :
1ـمجرد اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في دورتها وتوقيتها يعد في حد ذاته مكسبا لتجربة الانتقال إلى الديمقراطية بتونس . و طالما شهد العام الماضي جهود قوى ومن داخل نظام الحكم ذاته للتأجيل. وسواء أكان هذا بمبررات الحاجة الى تعديل النظام السياسي الدستوري أو النظام الانتخابي، أو بدوافع غير معلنة تتمثل أساسا في استشعار قوى حزبية بعد نتائج الانتخابات البلدية مايو 2018 بعدم جاهزيتها لتوقيت انتهاء ولاية رئيس الدولة والبرلمان بعد خمس سنوات من انتخابات خريف 2014 (التشريعية أكتوبر والرئاسية نوفمبر / ديسمبر). صحيح ان حدثا طارئا هو وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في 26 يونيو الماضي تسبب في تقديم طفيف لموعد الإنتخابات الرئاسية وأن تسبق جولتها الأولى على الأقل التشريعية . لكن هاهي تونس تتمكن من اجراء الانتخابات العامة في الموعد بعد فترات من القيل والقال واشاعة الغموض غير المريح الذي كان من شأنه ان يفتح الباب أمام تأويلات عن تعثر، بل واخفاق الديمقراطية التونسية الناشئة .
2ـجرت منافسات الحملة الانتخابية بصفة عامةفي مناخ من الحريات وبهدوء. ومر يوم الاقتراع نفسه بسلام وبدون احداث عنف تذكر أو ارتباك من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وكل هذا اضافة جديدة لمصداقية العمليات الانتخابية بعد الثورة و الهيئة المستقلة المنظمة لها والمشرفة عليها، ناهيك عن ترسيخ دور مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في مرافقة كافة مراحل الانتخابات العامة وملاحظتها ومراقبتها.
3ـلكن ثمة ملاحظات تفصيلية سلبية على هامش الصورة العامة منها ما يتعلق بالاتهامات المتبادلة حول استغلال مرشحين من داخل الحكومة امكانات الدولة وتجاوز سقف الانفاق المحدد وانتهاك الحدود القانونية والقواعد المهنية في استخدام واداء وسائل الإعلام. وفي مقدمة كل هذا معضلة خوض رجل الأعمال القروي صاحب قناة "نسمة"والجمعية الخيرية "خليل تونس " وحزب " قلب تونس " الانتخابات وحملتها وهو حبيس احتياطيا متهما بالفساد وبانتهاك قواعد ونصوص قانونية بشأن علاقة السياسة والانتخابات بالإعلام والعمل الخيري.
4 ـ عرفت الحملة الانتخابية طرحا للعديد من القضايا والموضوعات المهمة والخلافية . وشهدت على نحو خاص جدلا حول صلاحيات الرئيس بين مرشحين يلتزمون بحدودها في الدستور (الأمن القومي والسياسة الخارجية والمبادرات التشريعية) وبين من يتجاوزها ويجورعلى سلطات رئيس الحكومة والحكومة والبرلمان . ولاشك أن جانبا من " الشعبوية " التي وصف بها عدد من المرشحين ينطبق على حملات دعائية وخطاب انتخابي يبيع أوهام سهولة تعديل رئيس الدولة للدستور أو تدخله الواسع في الشئون الاقتصادية وغيرها من اختصاصات الحكومة والبرلمان . وكل هذا مضبوط ومحكوم في الدستور وفي واقع الممارسة للسلطات والسياسة بارادات خارج قصر الرئاسة بقرطاج ،ومنها ما يتعلق باغلبية ثلثي اعضاء البرلمان وباستفتاء الشعب ..وغيرها من اعتبارات وضرورات. ولعل أخطر ما يتعلق بترويج لصلاحيات أوسع لرئيس الدولة الى سقف "الخيال " أن جانبا منها جاء باستدعاء السلطات المتوحشة للرئيس كما كان عليه الحال قبل الثورة وبمداعبة قطاعات من الناخبين يختلط لديها غياب الثقافة الدستورية والسياسية وتمثل القيم الديمقراطية الحداثية بالحنين الى هذا "الرئيس القادر المقتدر"مطلق السلطات جراء وطأة الاخفاق في تحقيق أهداف الثورة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي .
5 ـ بدا التنافس بين مرشحين ينتمون للعائلة أو التيار السياسي الواحد أكثر شراسة بين ممثلي هذه العائلة وتلك . وكنا في مقال سابق قبل انطلاق الحملة الانتخابية للجولة الأولى قد اشرنا الى ما تنطوي عليه الظاهرة من ارباك للناخبين وخصم من رصيد هذه العائلات وبخاصة الدستورية الوسطية الحداثية و الإسلامية و اليسارية. وعلى ضوء ماجرى في الحملة الانتخابية يمككنا أن نلاحظ مثلا ان التطاحن بين اثنين من مرشحي العائلة الدستورية الوسطية ذاتها بل ومن اعضاء حكومة واحدة ( عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع ويوسف الشاهد رئيس الحكومة ) كان أشد وأعنف مقارنةمما بين أي منهما وبين مرشح النهضة الإسلامي عبد الفتاح مورو على سبيل المثال .
ثانيا .. عن اتجاهات التصويت:
6 ـ صوت في هذه الجولة من الانتخابات نحو 3,5 مليون ناخب بنسبة 49 في المائة. وعلى هذا النحو ثمة انخفاض عن الجولة الأولى لرئاسية 2014 بـ 15,5 نقطة حين بلغت 65,5 في المائة مستحقة عن 3’3 مليون صوت من اجمالي الناخبين المسجلين. و نظرا لأن أعداد المسجلين ارتفع من 5,3 مليون إلى 7,07 مليون ناخب، فإن هذا السلوك الملغز بشأن المشاركة يحتاج الى بحوث تفصيلية معمقة تستند الى سمات تفصيلية لاتجاهات التصويت.
7 ـ يلفت النظر وبالتقدير كون ان انتخابات رئاسة تجرى في العالم العربي ويخوضها رئيس حكومة (يوسف الشاهد) ووزير دفاع ( عبد الكريم الزبيدي) وقائم بأعمال رئيس البرلمان ( عبد الفتاح مورو) ولا يتمكن أحدهم من الحسم. بل ولا حتى من الصعود الى المرحلة الثانية الحاسمة. وفي هذه النتائج ما يعزز الثقة في هذه الانتخابات وفي الهيئة المنظمة لها .
8ـ في الجولة الأولى من رئاسية 2014 حصد من صعدا الى الدور الثاني الحاسم (الباجي السبسي والمنصف المرزوقي ) مجتمعين نحو2,38 مليون صوت تمثل نحو 73 في المائة من الأصوات الصحيحة التي حصل عليها كافة المرشحين السبعةوالعشرين حينها. واليوم يتقلص ما حصل عليه المرشحان الصاعدان الى جولة الحسم مجتمعين كي يصبح 33 في المائة من الأصوات الصحيحة لستة وعشرين مرشحا. وهي مستحقة عن نحو 1,4 مليون صوت فقط ( سعيد 18,6 في المائة عن 620 ألفا و القروي 15,6 في المائة عن 525 ألفا). وبالطبع فان الأمر يعكس تشتتا أكبر في اتجاهات التصويت. وإذا اخذنا في الاعتبار أن هناك اثنين من المرشحين على مقربة في المرتبة الثالثة والرابعة حصدا 12,9 في المائة ( مرشح النهضة عبد الفتاح مورو ) و 10,7 في المائة ( الزبيدي المستقل المدعوم من حزب نداء تونس ) لخرجنا باستخلاص مفاده أن الاستقطاب الذي كان قائما خريف 2014 بين إسلاميي النهضة وحداثيي النداء قد اختفى او زال الى حد كبير مع انتخابات اليوم. لكنه سيفسح الطريق أمام استقطاب آخر محتمل يلوح في الأفق، وكما سيرد لاحقا.
9 ـ واصلت الأحزاب الكبرى التي تشكل منها بالأصل برلمان 2014 المزيد من نزيف الاصوات والحصص بين الناخبين. فالمرشح المستقل المدعوم من حزب نداء تونس " الزبيدي" حصد نحو 361 ألف صوت من بينها أصوات بالقطع من خارج مؤيدي هذا الحزب. وهذا بينما حصل الحزب في الانتخابات البلدية العام الماضي على 376 ألف صوت. وهو هبوط درامي اذا قورن بما حصده السبسي مرشح الحزب في الجولة الأولى من رئاسية 2014 نحو 1,28 مليون صوت بنسبة 33,4 في المائة ثم ما حصده في الجولة الثانية من هذه الانتخابات 1,73 مليون صوت. وكذا في تشريعية 2014 حين حل حزب النداء أولا وحصد نحو 1,275 مليون صوت بنسبة 35,6 في المائة. وينطبق الأمر بصورة أوضح وأفدح على حزب حركة النهضة. فالحزب الذي خاض الانتخابات الرئاسية هذه المرة وفي سابقة أولى كان قد حصد في بلديات 2018 ما يقدر بنحو 516 ألف صوت تمثل 28,6 في المائة من الأصوات الصحيحة. وكان هذا بدوره انخفاضا كبيرا ومستمرا من انتخابات المجلس التأسيسي اكتوبر 2011 حين حل أولا بنحو 1,4 مليون صوت تمثل نحو 40 في المائة من الاصوات الصحيحة ثم 947 ألف صوت في الانتخابات التشريعية أكتوبر 2014 بنسبة نحو 26,4 في المائة حيث حل ثانيا بعد النداء .
10 ـ ينطبق انحسار ما يسمي بالخزان الانتخابي للأحزاب الكبرى اعمدة النظام البرلماني أيضا على المعارضة اليسارية. فمجموع ما حصده مرشحا الجبهة الشعبية منجي الرحوي وحمة الهمامي التي تمزقت قبل الانتخابات الرئاسية بأسابيع معدودة لا يتجاوز 1,5 في المائة مستحقة عن نحو 50 ألف صوت فقط. وهذا فيما كان الهمامي نفسه كمرشح وحيد للجبهة قد حل ثالثا في الانتخابات الرئاسية السابقة 2014 وحقق نسبة 7,5 في المائة من الاصوات الصحيحة مستحقة عن 225 ألف صوت .
11 ـ في انتخابات رئاسة 2014 راج مصطلح " التصويت المفيد" لدفع حظوط كل من قطبي المنافسة السبسي والمرزوقي حينها . ويبدو ان " التصويت العقابي " للساخطين على قيادات الأحزاب والحكم والمعارضة كان له نصيب ـ الى جانب تشتيت اتجاهات التصويت نسبيا عما كان ـ في دفع حظوظ المستقل القادم من خارج المنظومة/ النظام قيس سعيد ورجل الأعمال صاحب الحزب الوليد " قلب تونس"نبيل القروي والمنغمس سابقا في قيادة حزب نداء تونس . وثمة هنا سخط متراكم على السياسات والأوضاع الاقتصادية.وأيضا السياسية، بما في ذلك "التوافق " بين الحزبين الكبيرين وفق برلمان 2014 " النهضة"و "نداء تونس" وعلى الانشقاقات المتتالية عن الأخير وبخاصة الكبرى من " حركة مشروع تونس "2016 لمحسن مرزوق و "تحيا تونس " 2019 ليوسف الشاهد". وهنا أيضا نقاش حول امتداد الظاهرة "الشعبوية" وتجاوز المؤسسة الحزبية واضمحلالها من الديمقراطيات العريقة الراسخة في العالم الى الديمقراطيات الناشئة كما تونس. واللافت ان شخص القروي بلا شك أكبر وأهم من حزبه الوليد " قلب تونس ". لكن يصعب ان ينطبق عليه القول بأنه رجل جاء من خارج المنظومة / النظام . أما قيس سعيد فإن القول بأنه ظاهرة " شعبوية " بدوره محل نظر وجدل، وإن كان يقينا من خارج المنظومة / النظام وبلا حزب . بل وفي خطابه يبرز كمعادي للأحزاب وفاقد الثقة بها .
ثالثا .. من الأوفر فرصا في الجولة الثانية:
12 ـ يبدو أن قيس سعيد هو الأوفر حظا للفوز بمنصب الرئيس مع الجولة الثانية الحاسمة. ولا يتعلق الأمر بأحكام اخلاقية تضع استاذ قانون معروف عنه الاستقامة في مواجهة متهم بالفساد ويوصف على نطاق واسع بين الساسة بـ " المافيوزي". و هنا حسابات ـ وإن كانت ليست بالسهلة تماما ـ تتعلق بمن سيصطف من المرشحين الخارجين من السباق و مؤيديهم وراء أي من المرشحين الإثنين؟ . فمن صوتوا للنهضة الأرجح ان يمنح معظمهم تأييدهم لسعيد وبخاصة انه يجهر بآراء محافظة في قضايا اجتماعية كالمساواة في الميراث وعقوبة الإعدام وغيرها، وعلى العكس من آرائه الراديكالية التقدمية في السياسية وبشأن نظام الحكم. وعلاوة على هذا هناك خمسة مرشحين على الأقل لهم اوزانهم أعلنوا تأييدهم لأستاذ القانون وهم : القومي العروبي الصافي سعيد و لطفي المرايحي وسيف الدين مخلوف ومحمد عبو والمنصف المرزوقي وباجمالي نحو ربع الأصوات الصحيحة مستحقة عما مجموعه 857 ألف صوت. وإذا اضيف لذلك أصوات مرشح النهضة مورو لأصبحنا أمام فرصة للاقتناص من بين نحو 1,3 مليون ناخب محتمل يشكلون 37 في المائة ممن منحوا اصواتهم الصحيحة لمرشحي الجولة الأولى . وعلى الجانب الآخر فإن المرجح ان تعمل الماكينة الانتخابية لحزب "التجمع الدستوري" المنحل زمن بن على لحساب القروي. وهذا بعدما تفرقت طاقتها في الجولة الأولى وبالأساس بين الزبيدي و الشاهد وعبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر ورئيس الحكومة الاسبق مهدي جمعة وباجمالي نحو 23 في المائة مستحقة عن نحو 806 ألف صوت . مع الحذر في الحساب هنا لأن هناك شكوكا في ان يمنح معظم مؤيدي الشاهد تأييدهم لغريمه وخصمه القروي. كما أن جانبا من مؤيدي الزبيدي من المرجح أن يبطلوا اصواتهم في الجولة الثانية أو يقاطعوا . وفي كل الأحوال فإن هكذا الحسابات ليست بالسهلة، وإن مالت الكفة الى جانب قيس سعيد .
13 ـ هناك سياق آخر يتعلق بمدى قدرة مرشحي الجولة الثانية الحاسمة على اجتذاب ناخبين لم يصوتوا في الجولة الأولى. وهنا فإن الذهاب إلى احلال الاستقطاب المتوارى بين الحداثي والإسلامي باستقطاب مناصري الثورة مقابل مؤيدي ماقبل الثورة و المنظومة المستمرة غير المقنعة والمنتجة بعدها من شأنه أن يأتي بناخبين لم يكونوا حاضرين في الصناديق بالجولة الأولى . وهنا حسابات أكثر تعقيدا وأقل وضوحا .
رابعا .. التشريعية في الأفق وتساؤلاتها :
14 ـ تفيد قراءة استطلاعات الرأي السابقة على جولة الرئاسية 15 سبتمبر الجاري ونتائج الانتخابات البلدية 2018 و أيضا مجريات الحياة الحزبية والسياسية بتونس بأن البرلمان المقبل لن يتسع إلا لحزب أو حزبين كبيرين أو ثلاثة لا يتجاوز حظ أي منهما على الأرجح 20 في المائة من المقاعد، وبعدما كان برلمان 2014 قد بدأ بكتلتين كبيرتين (86 نائبا للنداء و 69 نائبا للنهضة وبمجموع 155 من 217 نائبا بنسبة 71 في المائة) .ومن المتوقع مساحة أكبر للمستقلين غير المنتمين للأحزاب ( بنهاية دورة برلمان 2014 لم يتجاوز عدد غير المنتمين لكتل حزبية 34 من اجمالي 217 نائبا وبنسبة 20 في المائة ). والأخطر هو تلك الفسيفساء من الكتل البرلمانية الحزبية المتوقعه مع البرلمان الجديد.و المرجح أن تتجاوز بكثير ما كان عليه الحال مع نهاية الدورة البرلمانية الحالية ( ست كتل وباعتبار أن الكتلة لاتقل عن عشرة ) . وهواحتمال ترجحه نتائج الانتخابات البلدية السابقة قبل أقل من عام ونصف .
15 ـ تفيد مؤشرات عدة بأن النهضة مرشحه لأن تكون الحزب الأول في البرلمان الجديد ، لكنها وعلى ضوء نتائج البلديات و ما حصده مرشحها مورو في جولة الرئاسة الأولى قبل أيام ستفقد بدورها مابين 20 و25 مقعدا وستتقلص كتلتها إلى ما دون الخمسة و الأربعين مقعدا .وإلى جانب النهضة تبرز فرص ثلاثة أحزاب هي : "تحيا تونس" للشاهد و"قلب تونس" للقروي.. وأخيرا "نداء تونس" القابلة لمزيد من الانقسام والتشرذم على ضوء الصراعات بين حافظ نجل قائد السبسي والذي بات اكثر ضعفا بعد رحيل والده وبين خصوم جدد من داخل ما تبقي من الحزب . وبين الفسيفساء النيابية بعدها من الأرجح أن تتقدم نسبيا أحزاب "الدستوري الحر" لعبير موسى و"التيار الديمقراطي" لمحمد عبو و "حركة الشعب" القومية الناصرية الداعمة للصحفي الصافي سعيد فقيس سعيد .
16 ـ إذا قدر لقيس سعيد الفوز بالجولة الثانية والدخول الى قصر قرطاج فمن المتصور أن يكون رئيسا اضعف عما بدا عليه سلفه " السبسي " من قوة ونفوذ على النظام السياسي و الحكومة وتشكيلها وبخاصة خلال السنوات الأربع الأولى لولايته وقبل ان يدب الخلاف بينه وبين الشاهد . فقيس سعيد المستقل لن يحظي على الأرجح بدعم مماثل في البرلمان أو بمساندة حزب قوي أو مجموعة أحزاب وازنة . لكن ومن جانب آخر فإنه سيكون أمام برلمان بدوره أكثر ضعفا .
17 ـ هكذا برلمان عرضه للحل إذا ما اخفق الحزب المكلف بالحكومة في تشكيلها و حصولها على ثقة أغلبية البرلمان خلال الآجال الدستورية ( نحو أربعة أشهر بعد الانتخابات).
18 ـ وبالقطع فإن الاخفاق في التوصل الي صيغة جديدة مبتكرة من " التوافق" بين مكونات برلمان يتسم بالفسيفسائية ورئيس جمهورية من الأرجح أن يكون مستقلا أو يأتي من حزب وليد كـ "قلب تونس " ناهيك عما يثيره وضعه أمام القانون من تعقيدات يرشح تونس لحالة من عدم الاستقرار لن تسمح بانجازات تعالج معاناة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية وقد نفد صبرها. لكن وحدها الديمقراطية والمزيد من ترسيخ الحريات والحقوق والآليات ونمو المجتمع المدني يفتح طاقة أمل وسط الضباب .
--------------------------
بقلم: كارم يحيى